إدارة الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

آفاق بلا حدود - بحث في الهندسة النفس الإنسانية 18

اذهب الى الأسفل

آفاق بلا حدود - بحث في الهندسة النفس الإنسانية 18 Empty آفاق بلا حدود - بحث في الهندسة النفس الإنسانية 18

مُساهمة  Admin الجمعة مارس 25, 2011 10:38 am

المعتقدات والقيم والمعايير
كان الصيدلي إميل كو في صيدليته عندما جاءه أحد الزبائن ليطلب منه أقراصاً لدواء معين لعلاج حالة مرضية كان يعاني منها. وعندما أخبره إميل كو بأنه لا توجد لديه تلك الأقراص، أصر هذا المريض فأخبره أن لديه أقراصاً من نوع آخر لها التأثير نفسه للأقراص المطلوبة. ولم تكن هذه الأقراص البديلة في حقيقتها غير أقراص من السكر العادي وليس لها أي علاقة بالمادة المطلوبة. ولكن بالمفاجأة كانت كبيرة عندما جاء المريض بعد عدة أيا وقد شفي من مرضه تماما باستخدام تلك الأقراص غير الحقيقية، وذلك بسبب إيمانه، أو اعتقاده أن تلك الأقراص سوف تشفيه. أي أن شفاءه لم يكن بسبب الأقراص بل بسبب ذلك الإيمان أو الاعتقاد بالشفاء.
وقد أطلق على هذا النوع من الدواء اسم " بلاسيبو Placebo ". وأجريت بحوث ودراسات عديدة على هذا الدواء (الإيماني) وكانت النتيجة أن أكثر من 30% من المرضى يستجيبون له. أي إنهم يشفون بعد تناوله. وفي حالات الألم كان 51% إلى 70% يستجيبون لهذا الدواء كاستجابتهم للمسكنات الحقيقية. ولم يكن ذلك التأثير إلا بسبب اعتقاد المريض بشفائه.
الاعتقاد بشيء هو الاقتناع بصحة ذلك الشيء. وليس من الضروري أن تكون المعتقدات مبنية على منطق كما أنه ليس متوقعاً أن تكون معبرة عن الواقع، بالرغم من أن هذه المعتقدات هي التي توجه حياة الإنسان. إن نشاطنا وحماسنا للعمل يعتمد على نظام الإيمان والقيم التي نؤمن بها. ومقر هذا الإيمان وهذه القيم في العقل الباطن، تؤثر في سلوكنا دون أن نعي ذلك.
كلمة (الإيمان) و(الاعتقاد)، نعني بهما شيئا واحدا هنا. كما أنه لا بد من الإشارة إلى نوعين من الإيمان والاعتقاد: الأول هو الإيمان الديني، كالإيمان بالله والرسل واليوم الآخر، والغيب. والثاني هو الإيمان الحياتي، وهو إيمان الشخص بأن يستطيع أن يقوم بفعل شيء أو لا يستطيع فعله، وهذا النوع من الإيمان هو أقرب ما يكون في مفهومه إلى الثقة بالنفس. فأنت تؤمن بأنك تستطيع رفع ثقل مقداره كيلو غرام واحد، ولكنك غير مؤمن بأنك تستطيع رفع طن مثلاً. أو أنك مؤمن بأن تستطيع أن تتعلم اللغة الألمانية، وربما لا تؤمن بأنك تستطيع أن تعلم اللغة الصينية. والمريض في حالة البلاسيبو يؤمن بأن ذلك الدواء يشفيه. كل هذه الأنواع من الإيمان أو المعتقدات ندعوها بالإيمان أو المعتقدات الحياتية. وسنرى أن هذه المعتقدات الحياتية يمكن تغييرها. وفي الحقيقة فإن كثيرا من هذه المعتقدات الحياتية تحد من إدراكنا للعالم، وإننا يمكن أن نوسع من حدود هذا الإدراك إذا استطعنا تغييرها.
عندما ترى صندوقا قديماً ملقى في القمامة فلن تلقي له بالا. ولكن إذا أخبرك أحد أن في هذا الصندوق كنزا ثمينا، واقتنعت بذلك فسيكون تصرفك مختلفا. وقد لا يكون في الصندوق شيء، فذلك ليس مهما، ولكن المهم هو إيمانك، أو اعتقادك بما في الصندوق. إن رؤية الضفادع للأشياء من حولها محدودة فهي لا ترى إلى الأشياء المتحركة، أما إذا كانت هذه الأشياء ساكنة فلا تراها. لذلك تعتاش الضفادع على الحشرات التي تتحرك حولها، وقد تموت الضفدع من الجوع إذا كان ما حولها من حشرات ساكناً لا يتحرك، (لا عتقادها) بأنه لا يوجد شيء حولها!
وللإيمان والاعتقاد مستويات في العقل الباطن أعمقها أرسخها هو المستوى الروحي. ففي هذا المستوى توجد المعتقدات الروحية، وفيه يستقر الإيمان بالغيب. ويوجه هذا المستوى حياتنا ويشكلها. وقد يكون ذلك بوعي منا أو بدون وعي. ويلي ذلك المستوى الانتماء أو الهوية، ويليه مستوى الإيمان والاعتقاد بالأشياء من حولنا كالبلاسيبو، والإيمان والاعتقاد بإمكاناتنا وهو ما اصطلحنا عليه بالإيمان الحياتي. ويمكن تصنيف هذا الإيمان أو الاعتقاد الحياتي إلى أنواع ثلاثة:
*الإيمان بالممكن والمستحيل.
*الإيمان بالقدرة والعجز.
*الإيمان بالسبب والمسبب.
إن هذه المعتقدات تضع حدودا لإدراكنا للعالم، وبالتالي فهي تؤثر في سلوكنا. أي أن سلوكنا ينسجم دائما مع ما نؤمن به أو نعتقده. وإذا تغير إيماننا واعتقادنا فإن سلوكنا سيتغير تبعاً لذلك( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد:11).
وإذا تغير أي مستوى من هذا المستويات (الشكل السابق) فإنه يؤثر فيما فوقه لا يؤثر فيما تحته. ومن هنا نعلم الأهمية البالغة للمستويات العميقة. والمستوى الأعمق لإيماننا واعتقادنا هو المستوى الروحي. وأي تغيير في هذا المستوى يؤثر تأثيرا شاملا في حياة الإنسان. ولعل خير مثال لدينا هو التغيير الذي أحدثه الدين الإسلامي في حياة العرب، ثم حياة الأمم الأخرى التي استجابت لهذا الدين وآمنت به. وفيما يلي تلخيص للانقلاب الذي أحدثته رسالة النبي العربي صلى الله عليه وسلم، لنرى كيف أن المستويات جميعها قد تغيرت. فهوية الإنسان العربي وانتماؤه قد تغيرا. ومعتقداته وقيمة ومعاييره كلها قد تغيرت، وقابلياته وسلوكه قد تغيرا كذلك، فأصبح إنسانا جديدا في كل شيء.
مثالSad من كتاب "ماذا خسر العالم" لأبي الحسن الندوي، بتصرف).
امتاز العرب من بين أمم العالم وشعوبه في العصر الجاهلي بأخلاق ومواهب تفردوا بها كالفصاحة، وقوة البيان، وحب الحرية، والأنفة، والفروسية، والشجاعة، والحماسة في سبيل العقيدة، والصراحة في القول، وجودة الحفظ، وحب المساواة، وقوة الإرادة، والوفاء، والأمانة.
ولكنهم كانوا مشركين. فإلى جانب اعتقادهم بالله كانوا يعتقدون بوسطاء يعيدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى. واختلطت الأمور لديهم، فانغمسوا في الوثنية وعبادة الأصنام. فكان لكل قبيلة، أو ناحية، أو مدينة صنم خاص. ومن لم يقدر منهم على بناء صنم نصب حجرا ثم طاف حوله كطوافة بالبيت وسموها الأنصاب. فكانوا يعبدون الحجر، فإذا وجدوا حجرا هو خير منه ألقوه وأخذوا الآخر. وكان للعرب آلهة شتى من الملائكة والجن والكواكب. فكانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن، وكانت حمير تعبد الشمس، وكنانة القمر، وتميم الدبران، ولخم وجذام المشتري، وطئ سهيلا، وقيس الشعرى، وأسد عطاردا.
وقد أفرزت تلك المعتقدات أنواعا من السلوك. فكان شرب الخمر واسع الشيوع شديد الرسوخ فيهم، وكان القمار من مفاخر الحياة الجاهلية، وما كان عدم المشاركة في مجلس القمار عارا، وكانوا يتعاطون الربا. ولم يكن الزنى نادرا، وكان من العادات أن يتخذ الرجل الخليلات، وكانوا يكرهون إماءهم على الزنى، وكانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غبن وحيف، تؤكل حقوقها وتبتز أموالها، وتحرم إرثها، وتعضل بعد الطلاق، أو وفاة الزوج من أن تنكح زوجا ترضاه، وتورث كما يورث المتاع أو الدابة. وكانوا يكرهون البنات. وبلغت كراهيتهم للبنات إلى حد الوأد. وكانت العصبية القبلية والدموية شديدة جامحة، وكان في المجتمع العربي طبقات وبيوت ترى لنفسها فضلا على غيرها، وامتيازا. وكان النفوذ والمناصب العليا متوارثا، يتوارثه الأبناء عن الآباء، وكانت طبقات مسخرة وطبقات سوقة وعوام. وكانت الحرب والغزو من طبيعة العرب وسجاياهم حتى صارت الحرب مسلاة لهم وملهاة.
وأحيانا على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا
فكانت الحرب بين بكر وتغلب ابني وائل التي استمرت أربعين سنة لسبب تافه، ثكلت فيها الأمهات ويتم فيها الأولاد. وكذلك داحس والغبراء فما كان سببها إلا أن داحسا فرس قيس بن زهير كان سابقا في رهان بين قيس بن زهير وحذيفة بن بدر فعارضه أسدي بإيعاز من حذيفة فلطم وجهه وشغله، ففاتته الخيل، وتلا ذلك قتل ثم أخذ بالثأر ونصر القبائل لأبنائها، وأسر ونزح للقبائل، وقتل في ذلك الوقت من الناس.
وحملت العيشة البدوية وقلة أسباب الحياة، والطمع والجشع، والأحقاد، والاستهانة بحياة الإنسان على الفتك والسلب والنهب، حتى كانت أرض الجزيرة ليس فيها أمن وأمان، ولا يدري الإنسان متى يغتال وأين ينهب. وبالجملة لم تكن على ظهر الأرض أمة صالحة المزاج، ولا مجتمع قائم على أساس الأخلاق والفضيلة ولا حكومة مؤسسة على أساس العدل والرحمة، ولا قيادة مبنية على العلم والحكمة، ولا دين صحيح مأثور عن الأنبياء.
حتى بعث محمد صلى الله عليه وسلم، فدعا الناس إلى الإيمان بالله وحده, ورفض الأوثان، والكفر بالطاغوت بكل معاني الكلمة، ودعاهم إلى الإيمان برسالته، والإيمان بالآخرة، فقامت قيامه الجاهلية ودافعت عن تراثها دفاعها الأخير، وقاتلت في سبيل الاحتفاظ به قتال المستميت. وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ثبوت الراسيات، لا يشبه أذى، ولا يلويه كيد، ولا يلتفت إلى أغراء، يقول لعمه:" يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه". فكان من نتيجة ذلك أن حدث أغرب انقلاب في تاريخ البشر. وكان هذا الانقلاب في نفوس المسلمين غريبا في كل شيء: كان غريبا في سرعته، وكان غريبا في عمقه، وكان غريبا في سعته وشموله، فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهراً لبطن، تغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره، وجرى منه مجرى الروح والدم. وكان هذا الإيمان أقوى وازع عرفه تاريخ الأخلاق وعلم النفس عن الزلات الخلقية والسقطات البشرية، حتى إذا جمحت السورة البهيمية في حين من الأحيان وسقط الإنسان سقطه، وكان ذلك حيث لا تراقبه عين ولا تتناوله يد القانون تحول هذا الإيمان نفسا لوامة عنيفة ووخزا لاذعا للضمير وخيالا مروعاً، لا يرتاح معه صاحبه حتى يعترف بذنبه أمام القانون، ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة ويتحملها مطمئنا مرتاحاً تفادياً من سخط الله وعقوبة الآخرة.
وكان هذا الإيمان حارسا لأمانة الإنسان وعفافه وكرامته، يملك نفسه أمام المطامع والشهوات الجارفة وفي الخلوة والوحدة حيث لا يراها أحد. ورفع هذا الإيمان رأسهم عاليا وأقام صفحة عنقهم فلن تحنى لغير الله أبدا. لا لملك جبار ولا لحبر من الأحبار ولا لرئيس ديني ولا دنيوي. وملأ قلوبهم وعيونهم بكبرياء الله تعالى وعظمته، فهانت وجوه الخلق وزخارف الدنيا ومظاهر العظمة والفخفخة. وقد بعث الإيمان بالآخرة في قلوب المسلمين شجاعة خارقة للعادة وحنينا غريباً إلى الجنة واستهانة نادرة بالحياة. واقتلع صلى الله وعليه وسلم جذور الجاهلية وجراثيمها، وحسم مادتها، وسد كل نافذة من نوافذها، وحرم حمية الجاهلية وقيد ذلك التناصر الذي جرت الجاهلية العربية على إطلاقه. وأصبحت الطبقات والأجناس في المجتمع الإسلامي متعاونة متعاضدة لا يبغي بعضها على بعض.
وهكذا تحولت هذه المواد الخام المبعثرة التي استهانت بقيمتها الأمم المجاورة وسخرت منها البلاد المجاورة، إلى كتلة بشرية لم يشهد التاريخ البشري أحسن منها اتزانا، ولا أكثر منها عدلا. وكان هذا الانقلاب العظيم يحدث على أثر قبول الإسلام من غير تأن ولا تأخير. كل ذلك لأن التغيير كان في أعمق أعماق الإنسان فكان يغير كل شيء في حياته.
القيم والمعايير
القيم والمعايير هي صنف من المعتقدات. القيم Values هي المبادئ والمقاييس التي نعتبرها هامة لنا ولغيرنا، ونطالب بتحقيقها، كالصدق، والأمانة، والعفة، والمفردات الأخلاقية الأخرى. أما المعايير Criteria فهي تلك المدركات التي نحكم بأنها هامة من وجهة النظر الشخصية، كنوع السيارة التي نشتريها، والمسكن الذي نسكن فيه، والملابس التي نلبسها. كذلك فإن هناك من يهتم بالناس، ومن يهتم بالجو، أو الأخبار السياسية، أو الوظيفة، أو غير ذلك، فكل هذه معايير.
نحن نبني قيمنا ومعاييرنا من خبراتنا وتجاربنا، ومن انتمائنا للمجتمع الذي نعيش فيه، ومن الثقافة التي تسود حياتنا. كما نستمد هذه القيم من الأسرة، والأبوين، والأقارب، والأصدقاء، والمعلمين، والمربين، ووسائل الإعلام، والتوجيه. وتستقر هذه القيم والمعايير جميعها في العقل الباطن كما ذكرنا.
كذلك تعتمد القيم على المعتقدات، فالصدق ليس قيمة أخلاقية فقط ولكنه واجب ديني كذلك. إلا أن القيم والمعايير تختلف باختلاف الأشخاص. ولو كان لجميع الناس قيم ومعايير واحدة لهان الأمر. ولكن الحال ليس كذلك فلكل إنسان خارطة، أو سلم يرتب عليه قيمة ومعاييره. ومن المفيد التعرف على هذه القيم وأهمية كل منها. ومن ناحية أخرى يكون من المفيد معرفة تحقق هذه القيم أي أن هناك ثلاثة جوانب تتعلق بالقيم والمعايير هي:
استنباط القيم أي معرفتها
سلم القيم أي ترتيبها حسب أهميتها
البينة على تحققها أي مقياس تحققها من عدمه
استنباط القيم
خذ ورقة وقلماً واكتب عشراً من القيم التي تؤمن بها: الإخلاص، التضحية، الاحترام، الصدق، المال، النصيحة، صلة القربى، الأمانة... الخ.
خذ واحدة من هذه القيم واكتب ما يندرج تحتها من قيم أخرى تتعلق بها. ماذا يعنى الاحترام بالنسبة لك؟ إفشاء السلام ، مناداتك باسم معين أو لقب معين، طريقة الكلام، إرسال بطاقة في العيد، التغاضي عن أخطائك، تقديم الهدية لك، زيارتك ... الخ. والآن اكتب تحت كل واحدة من هذه القيم ما يندرج تحتها أو يرتبط بها من قيم فرعية. وهكذا حتى تستكمل شجرة القيم التي تؤمن بها. ويمكنك فعل ذلك مع المعايير كذلك.
هذا فيما يتعلق بقيمك ومعاييرك أنت. أما ما يتعلق بالآخرين، فيمكنك استنباط قيمهم عن طريق ملاحظة سلوكهم، وكلامهم، وعن طريق توجيه أسئلة معينة لهم. إن معرفة نظام القيم للآخر تجعل من اليسير عليك التعامل معه. وقد تعمد إلى مجاراته في بعض قيمه بغرض قيادته إلى ما تريد كإتمام صفقة بيع، أو التوصل إلى اتفاق معه، أو إقناعه بفكرة تريد إقناعها بها. وكثيراً ما نقوم بعملية المجاراة مع الآخرين بشكل تلقائي، وخاصة مع الأفراد الذين لم نعرفهم من قبل وندعو الأمر بأنه (مجاملة). أما إلى أي حد نذهب في هذه المجاملة فيعتمد على عدة عوامل وظروف، منها طبيعة الشخص المجامل (بكسر الميم)، والشخص المجامل (بفتح الميم)، والظروف المحيطة.
سلم القيم
عند تعرفك على القيم، يكون لديك عدد من القيم الأساسية، وتحت كل واحدة من هذه القيم عدد آخر من القيم الثانوية، وتحت كل واحدة من هذه الأخيرة عدد من القيم الفرعية.. وهكذا. وإذا أخذت أي مجموعة من هذه القيم فبإمكانك ترتيبها حسب أهميتها. لنأخذ مجموعة القيم التي ذكرناها قبل قليل وهي: الإخلاص، التضحية، الاحترام، الصدق، المال، النصيحة، صلة القربى، الأمانة. حاول ترتيبها حسب الأهمية. هل تتوقع أن شخصاً آخر سيتفق معك على الترتيب نفسه؟ افعل الشيء نفسه لمجموعات القيم الثانوية، ذات الأهمية الكبرى تليها الأقل أهمية ثم الأقل... وهكذا.
إن مواقع هذه القيم ليست ثابتة، فهي تتغير باستمرار صعوداً ونزولاً. ويؤدي تغييرها إلى تغيير حدود الإدراك للعالم، وتغيير السلوك. ويمكنك أن تتأكد من ذلك إذا استطعت أن تكتب سلم القيم لك الآن وتحتفظ به، ثم تكتبه من جديد بعد سنة أو عدة سنوات ثم نقارن ذلك بما احتفظت به . ستجد أن هناك تقديم وتأخير، أو حذف وإضافة فيما تؤمن به من قيم ومعايير.
استراتيجية الاعتقاد
استراتيجية الاعتقاد هي الطرق التي نتمسك بها باعتقاد معين ونحافظ عليه. وليست هذه الاستراتيجية إلا سلسلة متعاقبة من الأنماط الصورية والسمعية والحسية. ويتم هذا التعاقب غالباً في العقل الباطن أو اللاشعور.
وبهذه الاستراتيجيات نقرر ما إذا كنا نؤمن بأمر ما، أو لا نؤمن به. كيف تعرف أنك تؤمن بقضية معينة أو لا تؤمن بها؟ هل تؤمن بأنك قادر على أن تصوم لمدة أربع وعشرين ساعة؟ قد يكون جوابك نعم. فكيف عرفت أنه نعم؟ ربما توصلت إلى هذه القناعة، أو هذا الاعتقاد، بعد أن تصورت نفسك صائماً عن الطعام والشراب (نمط صوري)، وتخيلت الشعور بالجوع (نمط حسي)، وأنك يمكن أن تتحمل ذلك الإحساس لمدة أربع وعشرين ساعة. ومعنى ذلك أن هناك سلسلة من الأنماط الصورية والحسية تعاقبت في ذهنك حتى توصلت إلى هذا الإيمان أو الاعتقاد.
فكر في إيمانك بقدرتك على الصيام لمدة يوم واحد. كيف ترى ذلك الإيمان في نفسك؟ سوف تجد له صورة، ومعها إحساس. ليس مهماً محتوى هذه الصورة إنما المهم هو أنك تستطيع أن تدرك هذا عن طريق هذه الصورة. وسوف تجد لهذه الصورة نميطات معينة: حجم، شدة إضاءة، ألوان، ... الخ. لتكن هذه الصورة(أ). الآن فكر في أمر لا تؤمن به أو لا تعتقده (مثلاً أن تطير بدون وسيلة). ماذا ترى؟ ما هي صفات الصورة؟ وماهي نميطاتها؟ لتكن هذه الصورة هي الصورة (ب). قارن بين الصورتين(أ)و(ب). ضعهما أمامك. ما هو موقع كل منهما؟ أيهما في الوسط وأيهما إلى اليمين أو اليسار، أو إلى الأسفل أو الأعلى؟
المعتقدات الحياتية كالمشاعر يمكن استنباطها، ويمكن تغييرها كذلك، لأن هناك معتقدات كثيرة تقيدنا فلا نستطيع فعل شيء ليس لأنه لا يمكن فعله، ولكن لأننا (نعتقد) أننا لا يمكن أن نفعله. وندعو هذا النوع من المعتقدات " المعتقدات المعوقة "، لأنها تعوقنا عن أن نفعل أشياء كثيرة.
إن حياتك التي تحياها بحلوها ومرها هي تعبير صادق عما تراه في نفسك، وما تؤمن به وتعتقده من قدراتها وإمكانياتها. وإذا كانت لديك مشكلات في حياتك، أياً كان نوع هذه المشكلات، فإنك سوف تجد نسخاً منها مطبوعة في نفسك، وإذا كنت تشتكي من مرض فستجد صورة لذلك المرض معشعشة في نفسك أي أن عقلك الباطن سيكون مطبوعاً بختم يحمل اسم ذلك المرض حقيقة محسوسة تشعر بها، وتعاني منها. وإذا وجدت في نفسك خوفاً من التحدث أمام الناس، أو خوفاً من الكلام أمام الجمهور، مثلاً، فإن هذه المعلومة سوف تطبع في عقلك الباطن فيقوم بالتصرف على هذا الأساس. إذ يقوم بالتحكم في عضلاتك، وفي أوتارك الصوتية، وفي نبضات قلبك، وفي دورتك الدموية، فيجعلها جميعاً منسجمة مع ما نعتقده وتؤمن به، وهو أنك لا تستطيع الكلام أمام الناس. ولكن ماذا لو استطعت، بطريقة من الطرق، أن تزيل من نفسك ذلك الخوف وتقضي عليه وتستأصله؟ ما سيحدث هو أن عقلك الباطن سيستلم معلومات جديدة تقول بأنك غير خائف من الكلام أمام الناس، وسيقوم تبعاً لذلك في تنظيم أجهزتك الفسيولوجية من عضلات، ونبضات للقلب، ودورة دموية، بطريقة تجعلها منسجمة مع ما هو موجود في نفسك.
وحيث إن ما هو موجود في نفسك ينطوي على الشجاعة، والطمأنينة، ورباطة الجأش، والجرأة، فإن أجهزة جسمك ستعمل لتحقيق هذه الحالة النفسية فلا يزداد نبض القلب، ولا تتوتر العضلات، ولا يرتفع ضغط الدم، وستخرج الكلمات من فمك واضحة قوية مؤثرة كأي خطيب ناجح، أو متكلم جيد.
تغيير المعتقدات المعوقة
هل يمكن تغيير هذه المعتقدات المعوقة واستبدالها بمعتقدات جديدة؟ الجواب نعم. وإحدى الوسائل لتحقيق ذلك هي الهندسة النفسية. توجد أكثر من عشر طرق لتغيير المعتقدات(المعوقة). إحدى الطرق المهمة هي طريقة " دورة تغيير المعتقد". تتألف الدورة من ستة مواقع (انظر الشكل)، ينتقل فيها الشخص من موقع إلى آخر، مع إجراء عملية إرساء في كل موقع. هذه المواقع هي:
• المعتقد المطلوب.
• الأمر مفتوح للاعتقاد.
• المعتقد الحالي.
• الأمر مفتوح للشك.
• متحف المعتقدات القديمة.
• مكان خاص آمن.
تتلخص الطريقة في الخطوات التالية: اختر أحد المعتقدات المعوقة التي تريد تغييرها. حدد المعتقد الجديد الذي تريد أن تعتقده. تأكد من أن هذا المعتقد هو معتقدك أنت وليس أحداً غيرك، وأن هناك إمكاناً للاعتقاد به. أحضر ست ورقات بحجم أوراق الكتابة. واكتب على كل ورقة منها واحدة من العبارات التالية: المعتقد المطلوب ـ الأمر مفتوح للاعتقاد ـ المعتقد الحالي ـ الأمر مفتوح للشك ـ متحف المعتقدات القديمة ـ مكان آمن. ضع الأوراق في دائرة كما في الشكل.
1. قف في موقع (أريد الاعتقاد) وفكر في المعتقد الجديد الذي تريده. أمسك هذا المعتقد الجديد في ذهنك وانتقل إلى موقع (استعداد للاعتقاد). استشعر كيف يكون الحال عندما يكون الأمر مفتوحاً للاعتقاد الجديد.
2. عندما تكون جاهزاً انتقل إلى موقع(المعتقد الحالي) مركزاً على المعتقد الجديد الذي في ذهنك.
3. إذا كان هناك صراع، أو حضور للمعتقد المعوق الحالي، استشعره وانتقل إلى موقع(الأمر مفتوح للشك).
4. للتحقق من التأثيرات الناتجة من المعتقد الجديد، اترك المعتقد القديم في موقع (مفتوح للشك)، وانتقل إلى الموقع(الآمن)، مؤكداً القصد الإيجابي لكلا المعتقدين، ولأي معتقد آخر. يمكنك هنا إجراء أي تعديلات، أو مراجعة للمعتقد الجديد. كذلك يمكنك إبقاء أي جزء من المعتقد القديم إلى جانب المعتقد الجديد.
5. عد إلى موقع (مفتوح للشك) الذي تركت فيه المعتقد القديم حاملاً المعتقد الجديد والتعديلات من الموقع الآمن، انقل المعتقد القديم إلى (متحف المعتقدات القديمة).
6. انتقل إلى موقع(المعتقد الحالي) مركزاً على المعتقد الجديد الذي تريده، ومستشعراً أي مشاعر للثقة به، وأي معلومات جديدة أتت معه.
7. انتقل إلى (الموقع الآمن) بمعتقدك الجديد، واختبر أي تعديلات، أو تحسينات تراها للمستقبل. ثم أعد العملية مكرراً ذلك عدة مرات.
مستويات التغيير
هناك عدد من مستويات التغيير (أو التأثير على) الإنسان، أو النظام، أو المؤسسة، أو المجتمع، تدعى المستويات المنطقية Logical Levels ، وهي:
1. مستوى البيئة: أين ومتى يكون هذا التغيير؟ في أي مكان، وزمان يكون التغيير، حيث إن للمكان والزمان تأثيراً، سلبياً أو إيجابياً، على عملية التغيير.
2. مستوى السلوك: ما هو التغيير المطلوب؟ ما الذي يجب فعله، في ذلك الزمان وذلك المكان، لكي يتغير التغيير.
3. مستوى القدرة والمهارة: كيف يحصل التغيير؟ كيفية استعمال القدرات والمهارات لإحداث التغيير.
4. مستوى المعتقدات والقيم: لماذا يراد التغيير؟ وهو أمر يتعلق بمعتقدات الإنسان وقيمه، لتبرير عملية التغيير.
5. مستوى الهوية: من الذي سيحصل له التغيير، وما هو دوره؟
6. المستوى الروحي: وأخيراً من له علاقة بهذا التغيير، على مستوى العالم أو الكون؟
هذه المستويات المنطقية موازية لمستويات الإيمان والاعتقاد.
كما ذكرنا سابقاً فإن أي تغير يحصل في مستوى معين سيؤثر على ما فوقه من مستويات، ولا يؤثر على ما تحته.
[justify]

Admin
Admin

المساهمات : 31
تاريخ التسجيل : 25/03/2011

https://almodarreb.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى