إدارة الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

آفاق بلا حدود - بحث في الهندسة النفس الإنسانية 10

اذهب الى الأسفل

آفاق بلا حدود - بحث في الهندسة النفس الإنسانية 10 Empty آفاق بلا حدود - بحث في الهندسة النفس الإنسانية 10

مُساهمة  Admin الجمعة مارس 25, 2011 10:29 am

لحن الخطاب
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
اقرأ معي الأبيات التالية لخليل مطران من قصيدته " المساء" يقول فيها:

دائم ألم حسبت فيه شفائي من صبوتي فتضاعفت برحائي
قلب أذابته الصبابة والجوى وغلالة رثت من الأدواء
والروح بينهما نسيم تنهد في حالي التصويب والصعداء
والعقل كالمصباح يغشى نوره كدري ويضعفه نضوب دمائي
إن أقمت على التعلى بالمنى في غربة قالوا تكون دوائي
إن يشف هذا الجسم طيب هوائها أيلطف النيران طيب هواء
أو يمسك الحوباء حسن مقامها هل مسكة في البعد للحوباء
عبثا طوافي في البلاد وعلة في علة منفاي لا ستشفاء
متفرد بصبابتي، متفرد بكآبتي، متفرد بعنائي
لاحظ الكلمات: داء ـ برجاء ـ أذاب ـ الظلم ـ تنهد ـ كدرـ نضوب ـ دواء ـ النيران ـ يمسك ـ علة ـ صبابة ـ كآبة ـ عناء.
إلى أي نوع من الأنماط الثلاثة ( الصورية، والسمعية، والحسية) تنتمي هذه المفردات؟ يمكنك أن تقول من دون صعوبة أنها تنتمي إلى نمط الإحساس (ح د). أي أن النمط الغالب على تفكير الشاعر هو النمط الحسي الداخلي.
والآن اقرأ هذه الأبيات لأبي القاسم الشابي في قصيدته الشهيرة " إرادة الحياة " :
ودمدمت الريح بين الفجاج وفوق الجبال وتحت الشجر
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
فعجت بقلبي دماء الشباب وضجت بصدري رياح أخر
وأطرقت أصغي لقصف الرعود وعزف الرياح ووقع المطر
وقالت لي الأرض لما سألت أيا أم هل تكرهين البشر
أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر
سألت الدجى: هل تعيد الحياة لمن أذبلته ربيع العمر
فلم تتكلم شفاه الظلام ولم تترنم عذار السحر
وقال لي الغاب في رقة محببة مثل خفق الوتر
لاحظ دمدمت ـأطرقت ـ أصغي ـ الرعود ـ عزف ـ وقع ـ قالت ـ سألت ـ أبارك ـ ألعن ـ سألت ـ تتكلم ـ شفاه ـ تترنم ـ قال ـ الوتر... النمط الغالب هنا هو النمط السمعي.
أما النمط الصوري فيمكن ملاحظته بوضوح في قصيدة المساء لإيليا أبو ماضي التي يقول فيها:
السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
الشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحر ساج صامت فيه خشوع الزاهدين
لكنما عيناك باهتتان في الأفق البعيد...
سلمى بماذا تفكرين
سلمى بماذا تحلمين
أرأيت أحلام الطفولة تختفي خلف النجوم
أم أبصرت عيناك أشباح الكهولة في الغيوم
أم خفت أن يأتي الدجى ولا تأتي النجوم
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنما..
أظلالها في ناظريك
تنم يا سلمى عليك
فالمفردات الصورية تكاد تكون في كل بيت ومقطع: السحب ـ الشمس ـ تبدو ـ صفراء ـ عيناك ـ باهتتان ـ الأفق ـ تحلمين ـ رأيت ـ أحلام ـ تختفي ـ النجوم ـ أبصرت ـ عيناك ـ أشباح ـ الغيوم ـ الدجى ـ النجوم ـ أرى ـ تلمحين ـ المشاهد ـ اظلالها ـ ناظريك.
ومن الطريف أن لقصيدتي خليل مطران، وإليا أبو ماضي اسم مشترك هو " المساء". كما أن القصيدتين من الشعر (الرومانسي). إلا أن الأول يعبر عن تجربة شعورية تتمثل في مأساة الجسد بأسقامه، والتي زادت من عذاب الحب ولوعة الفراق، أما إليا أبو ماضي فيحاول إشاعة روح التفاؤل، ونفض نزعة الكآبة والتباكي مستنداً إلى حوار بينه وبين فتاة ـ لعلها من صنع الخيال ـ جلست مساء، مكتئبة، متألمة، محاولاً استشفاف ما يخالجها من خواطر تشغلها عن فرح الحياة وجمال الطبيعة.
وبالاستناد إلى إشارات الوصول العينية يمكن القول: إن خليل مطران كان ينظر إلى الأسفل (ح د ـ)، وإليا أبو ماضي كان ينظر إلى الأعلى(ص د و ص ن ) عند إنشاء كل منهما لقصيدته.
وقد كنت في إحدى الدورات التدريبية وكانت هناك سيدة إنجليزية تعمل في الاستشارات الشخصية، فأخبرتني بأن إحدى الطرق التي تتبعها في علاج (الكآبة) هي أن تطلب من الشخص أن ينظر إلى السقف، أي إلى الأعلى، لأن الكئيب ينظر دائماً إلى الأسفل (ح د ـ ) . وعندما ينظر إلى الأعلى (ص د أو ص ن) يتغير النمط الذي في ذهنه من النمط الحسي إلى النمط الصوري، وبالتالي (ينسى) مشاعره المؤلمة التي يحس بها عادة عندما ينظر إلى الأسفل. وقالت كذلك بأن الشخص لا يمكن أن يبكي وهو ينظر إلى الأعلى. ويمكن للقارئ أن يلاحظ ذلك في نفسه أو مع الآخرين.
إن ما ذكرناه من أبيات لبعض الشعراء هو مثال لكيفية استنباط النظام التمثيلي للشخص من الكلمات التي تصدر عنه، وهو ما يمكن أن ندعوه بـ " لحن الخطاب " Predicate. وربما كان لهؤلاء الشعراء قصائد أخرى تكون لهم فيها أنماط تفكيرية أخرى. ولكن الملاحظة الدقيقة للكلمات في مجمل كلام الإنسان تتجه إلى غلبة نمط من الأنماط الثلاثة على تفكيره، فيمكن تصنيف شخص معين إلى أحد الأصناف الثلاثة. ولا نعلم إن كانت هذه الحقيقة تساعد نقاد الأدب والشعر على تعميق أساليب نقدهم وتحليلهم للإنتاج الأدبي والشعري.
النمط الغالب من لحن الخطاب
ولا يقتصر الأمر على الشعر والأدب، بل يمكنك استخلاص النظام التمثيلي للشخص من حديثه، وذلك بمراقبة نوع الكلمات والعبارات التي تصدر عنه، وسوف تجد أن هناك ثلاثة أنواع من الناس: نوع صوري، ونوع سمعي، ونوع حسي، وإذا تحدثت مع أحدهم ولا حظت حركة عينية فيمكنك تأكيد ملاحظاتك من إشارات الوصول العيني لهم. وسوف تجد في فصل " الاستنباط و التدريج" مزيداً من التفصيل لهذا الأمر.
[justify]

Admin
Admin

المساهمات : 31
تاريخ التسجيل : 25/03/2011

https://almodarreb.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى